من أهم القضايا التي تشغل ذهن المستهلك اليوم، هي
شبح الغلاء الذي يتربص بمخيلته على مدار الساعة، لم لا؟ والمرحلة المقبلة
تحمل إلينا بوادر طفح سعري يظهر على وجه تجار وموردي سلع يتأهبون إلى دخول
مضمار السباق نحو رفع الأسعار، لكنهم ينتظرون، على ما يبدو، لحظة تسلم
الموظفين في الوزارات الاتحادية أول زيادة رواتب بداية العام 2012.

صحيح أننا نعمل هنا على كسر ذاكرة تجار يرتبون لمحاولات التلاعب بالأسعار، ويستعدون لإطلاقها على شكل بالونات اختبار تقيس تقبل المستهلكين للغلاء في المقبل من الأيام، إلا أن ذلك لا يعتدي على حقوق الملكية الفكرية لهم، إنما يضع الأمور في نصابها أمام الجهات المختصة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات احترازية، هدفها تحقيق التوازن في الأسواق والمحافظة على القدرة الشرائية للمستهلك الذي يشكل عصب الحركة التنموية.

لا شك في
أن حملات التحصين ضد نوبات الغلاء التي بدت أعراضها مؤخراً، أمر مهم، ويحسب
للوزارة عدم السماح برفع أسعار بيع الخبز بأنواعه كافة على مستوى الدولة،
مهددة بفرض عقوبات على المنافذ المخالفة، تبدأ بالإنذار ثم الغرامة وتنتهي
بالإغلاق المؤقت أو الدائم للمحل، استناداً إلى القانون 24 للعام 2006
الخاص بحماية المستهلك ولائحته التنفيذية، لكن الأهم هو استشراف خطر
محاولات التلاعب بأسعار سلع ومواد حياتية أساسية أخرى للمستهلكين مستقبلاً،
مثل الحليب والأرز واللحوم وغيرها.

لكن، بعيداً
عن دور الجهات التي تعمل على كبح جماح غلاء قد يظهر تلقائياً مع كل زيادة
رواتب، فلا يوجد مبررات لدى الموردين والتجار لزيادة أسعار مواد استهلاكية،
حيث لا تزال تكلفة الإنتاج ثابتة وأسعار الإيجارات في تراجع مستمر، وهنا تكمن أهمية الإجراءات الاستباقية، إذ إن حملات التحصين ستعزز الشعور بأن عين الرقيب حاضرة في كل مكان وزمان، كما ستحظر التفكير في رفع الأسعار لدى العديد من الموردين والتجار، وبمعنى أوضح، إن هذه الحملات ستستأصل «ورم الغلاء» في مرحلته الأولى وتسيطر على فيروسه الذي يمكن أن يصيب تجاراً ويسبب لهم أطماعاً ربحية يكون المستهلك أولى ضحاياها.

في المقابل إن إجراءات وزارة الاقتصاد الاستباقية ضد الغلاء يسهم في بناء مجتمع استهلاكي صحي وسوق آمن، لكنه يضع أيضاً، الجهات المختصة في
الدوائر المحلية والتجار ومنافذ البيع، أمام استحقاق يتمثل بالالتزام
بإجراءات مماثلة، وهذه مسؤولية تنموية ومجتمعية تقع على عاتق كل معني بها،
لكن لكي لا يساء الفهم، فليس المطلوب هنا إنشاء «جمعية الضمير الحي الخيرية
للتجار» بل الالتزام بتعليمات الجهات المختصة، وعدم رفع الأسعار، خصوصاً فيما يتعلق بالسلع الحياتية الأساسية.

ولطالما
حماية المستهلك مسؤولية وطنية يجب الالتزام بها لحمايته من محاولات
الاستغلال التي تضر بالقدرة الاستهلاكية وبيئة الأعمال والتنمية الشاملة في السوق، فإن المطلوب من الجهات المختصة، تكثيف حملات التحصين ضد الغلاء، وهو أمر سيسهم إلى حد ما، في تنمية ضمير تجار قد يحاولون التلاعب بالأسعار ويصوب أي تصرفات خاطئة لهم قبل وقوعها.