فى هذه الفترة بعد الوفاة المفاجئة للدكتور فؤاد محيى الدين رئيس الوزراء
فى مكتبه فى 5 يونيو 1984 تولى المشير كمال حسن على، أحد قادة حرب أكتوبر
ورئيس المخابرات العامة، رئاسة الوزراء لفترة قصيرة من يونيو 1984 حتى 4
سبتمبر 1985، واستقال لأسباب صحية، وتم تعيين الدكتور على لطفى رئيسا
للوزراء منذ عام 1985. وتم تكليف الدكتور على لطفى برئاسة الحكومة فى 4
سبتمبر 1985 حتى 9 نوفمبر 1986، وقد تم تكليف الدكتور لطفى من الرئيس مبارك
بتشكيل الحكومة وهو فى الطائرة متجها إلى الولايات المتحدة الأمريكية
وروى هو نفسه أنه تلقى تليفونا طلب منه العودة، وكانت أول وزارة فى تاريخ
مصر تشكل فى الطائرة، وكان على لطفى قد تولى وزارة المالية فى حكومة
الدكتور مصطفى خليل.
فى عام 1984 تولى أحمد رشدى وزارة الداخلية ووضع خطة أمنية تمثلت فى حربه
ضد تجار المخدرات، وفرض الانضباط فى الشارع مع حسن معاملة المواطنين فى
الأقسام والمراكز، واستمر رشدى فى عمله حتى انفجرت أحداث الأمن المركزى فى
25 فبراير 1986 بعد انتشار شائعة فى المعسكرات بمد خدمة تجنيد الأمن
المركزى إلى أربع سنوات.
انفجرت معسكرات الأمن المركزى فى الهرم وخرج الجنود وحرقوا قسم شرطة الهرم
وتدخل الجيش وأصدرت الحكومة بيانا أعلنت فيه السيطرة على الأحداث، لكن
معسكرات الأمن المركزى فى الهايكستب والقليوبية وأسيوط خرجت لتواصل
الانتفاضة التى كشفت عن حجم الغضب داخل معسكرات الأمن المركزى، والإذلال
الذى يتعرض له المجندون، استمرت أحداث الأمن المركزى لليوم التالى، ونزل
الجيش وجرت اشتباكات بين قوات الجيش وجنود الأمن المركزى فى المعسكرات
المتمردة. وتقدم اللواء أحمد رشدى باستقالته إلى رئيس الجمهورية وقبلها،
وترددت شائعات عن أن اختراق الأمن المركزى كان مقصودا وأن الشائعات نشرها
تجار المخدرات وأعوانهم داخل النظام ممن واجههم أحمد رشدى بحربه على
المخدرات.
فاجأت انتفاضة جنود الأمن المركزى الحكومة والأحزاب والنظام كله، انطلقت من
معسكرين للأمن المركزى، أولهما على الطريق بين القاهرة والفيوم، والثانى
على الطريق بين القاهرة الإسكندرية. بدأ ثمانية آلاف جندى مظاهرات
احتجاجية بعد أن ترددت بينهم شائعة مد فترة التجنيد الإجبارى من ثلاث إلى
أربع سنوات، وتخفيض رواتب الجنود لسداد ديون مصر.
وتطورت الأحداث وامتدت إلى ستة معسكرات مختلفة فى القاهرة، والجيزة،
والقليوبية، وسوهاج، وأسيوط، والإسماعيلية. كان هناك حوالى 300 و400 آلف
جندى، معظمهم من أبناء معدمى الفلاحين الفقراء الذين يحول تجنيدهم إلى
وزارة الداخلية لقضاء تجنيدهم الإجبارى بها. وكان يتم اختيارهم من الأميين
المحملين بأمراض مختلفة. وتنظر لهم وزارة الداخلية على أنهم يد عاملة
رخيصة، أو «عمالة معدومة الأجر»، كانت تتراوح رواتبهم بين 4 و6 جنيهات. وقد
ارتبطت نشأة الأمن المركزى بمحاولات مواجهة المظاهرات بعد هزيمة يونيو،
لكن تم التوسع فى الأمن المركزى، الذى فشل فى مواجهة انتفاضة 17 و18 يناير
1977 التى عرفت بانتفاضة الخبز.
وكشف اللواء أحمد رشدى، وزير الداخلية الأسبق فى حوار تليفزيونى، تفاصيل ما
حدث ليلية انقلاب عساكر الأمن المركزى وتركه للوزارة، كانت قد أثيرت
أشاعة بزيادة مدة العمل لعساكر الأمن المركزى لمدة عام، ووصلتنى الشائعة
قبلها وأبلغت مساعد الوزير وطلبت منه الاجتماع بالضباط والعساكر وإعلان
كذب ما تردد من شائعات وبعدها بأيام، وكنت فى منزلى فوجئت باتصال من مكتبى
يخبرنى بأن عساكر الأمن المركزى متذمرين وخرجوا فى الجيزة عند ترعة
الزمر، فتوجهت إلى هناك سريعا ووجدت مدير الأمن ومحافظ الجيزة وقتها يقفون
بعيدا، سلمت عليهم وتركتهم ودخلت وسط العساكر المتذمرين وحاولت أن أوضح
لهم الحقيقة وأستمع لمطالبهم وكدت أموت.
لكنى خرجت سالما من المعسكر بعد تهدئة العساكر، وعدت لمكتبى فى الثانية
عشرة ليلا ففوجت بالسيد على لطفى رئيس الوزراء يتصل بى ويطلب منى إصدار
بيان حول الأحداث، فقلت له: لا يجوز أن أصدر بيانا ليلا فلننتظر للصباح،
فرفض، فقلت له لن أصدر بيانا، وافعلوا ما تشاءون، وعدت لمنزلى وفوجئت ببيان
صادر فى الإذاعة بجميع المحطات حول ما حدث واستمع له عساكر الأمن المركزى
فى المعسكرات، فعادوا مرة أخرى لتذمرهم وخرجوا فى الصباح مرة ثانية فاتصل
بى مرة أخرى على لطفى رئيس الوزارء، وقال لى: ماذا ستفعل؟ قلت له: لن
أستطيع أن أجعل عساكر أمن مركزى تتصدى لعساكر أمن مركزى، وطلبت منه نزول
الجيش، وبالفعل حدث وتوجهت للرئيس مبارك ومعى استقالتى، وتقدمت بها، وقبلها
الرئيس لأن الأحداث كانت تستلزم ذلك.
ولم يكن هناك تفسير لتكليف الدكتور على لطفى أو سبب لإقالة حكومته. وبدا
الاقتصاد مرتبكا بالرغم من المؤتمر الاقتصادى، وكان الدكتور على لطفى قد
أعلن فى أكثر من موضع عن ضرورة أن تتخلص الدولة من القطاع العام، وأنه ليس
من دور الدولة أن تشوى السمك أو تبيع البقالة، وكان هناك ارتباك فى الأجور
والأسعار، وكان هناك حديث عن زيادة الإنتاجية وقال على لطفى: كنت أرفض أن
أكون رئيسا لحكومة يكون من ضمن مهامها شوى الفراخ وقلى السمك، ولا أطالب
أن تنسحب الدولة ولكنى أطالبها بأن يتغير دورها، فالحكومة بجانب مسؤوليتها
عن التعليم والمياه والكهرباء ليس من مسؤوليتها أن تنتج ولكن أن تراقب
السوق لمنع الغش التجارى وتحمى المستهلك وتراقب الودائع فى البنوك.
وظلت أوضاع الاقتصاد مرتبكة، البطالة تتزايد والهجرة إلى الخارج مستمرة،
والتردد بين اقتصاد موجه واقتصاد رأسمالى ظاهرة، وبدأت الهجمات على القطاع
العام واستمرار تدخل الدولة فى الاقتصاد. وانعكس كل هذا فى الإعلام
الحكومى والحزبى. وترك الدكتور على لطفى الحكومة ليتولى الدكتور عاطف صدقى
أطول حكومة فى عهد مبارك.